مامعنى الفقه؟
صفحة 1 من اصل 1
مامعنى الفقه؟
[ تعريف الفقه ] والفقه لغة : اختلف فيه , فقال ابن فارس في المجمل " : هو العلم , وجرى عليه إمام الحرمين في التلخيص " , وإلكيا الهراسي , وأبو نصر بن القشيري , والماوردي إلا أن حملة الشرع خصصوه بضرب من العلوم . ونقل ابن السمعاني عن ابن فارس : أنه إدراك علم الشيء وقال الجوهري وغيره : هو الفهم . وقال الراغب : هو التوسل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم . وفي المحكم " لابن سيده : الفقه العلم بالشيء والفهم له والظاهر أن مراده بهما واحد وهو [ ص: 31 ] الفهم , لأنه فسر الفهم بمعرفة الشيء بالقلب , ومعرفة الشيء بالقلب هو العلم به , ومثله قول الأزهري : فهمت الشيء عقلته وعرفته , وأصرح منه قول الجوهري : فهمت الشيء فهما علمته . وظهر بهذا أن الفهم المفسر به الفقه ليس فهم المعنى من اللفظ , ولا فهم غرض المتكلم . ونقل الفقه إلى علم الفروع بغلبة الاستعمال كما أشار إليه ابن سيده حيث قال : غلب على علم الدين لسيادته وشرفه كالنجم على الثريا , والعود على المندل . قال ابن سراقة : وقيل : حده في اللغة العبارة عن كل معلوم تيقنه العالم به عن فكر . وقال أبو الحسين في المعتمد " , وتبعه في المحصول " : فهم غرض المتكلم , ورد بأنه يوصف بالفهم حيث لا كلام , وبأنه لو كان كذلك لم يكن في نفي الفقه عنهم منقصة ولا تعيير , لأنه غير متصور , وقد قال تعالى : { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } . [ ص: 32 ] وقال ابن دقيق العيد : وهذا تقييد للمطلق بما لا يتقيد به . وقال الشيخ أبو إسحاق وصاحب اللباب " . من الحنفية : فهم الأشياء الدقيقة , فلا يقال : فقهت أن السماء فوقنا . قال القرافي : وهذا أولى , ولهذا خصصوا اسم الفقه بالعلوم النظرية , فيشترط كونه في مظنة الخفاء , فلا يحسن أن يقال : فهمت أن الاثنين أكثر من الواحد , ومن ثم لم يسم العالم بما هو من ضروريات الأحكام الشرعية فقيها , فإن احتج له بقوله تعالى : { قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول } وقوله : { فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } . قلنا : هذا يدل على أن الفهم من الخطاب يسمى فقها , لا على أنه لا يسمى فقها إلا ما ما كان كذلك , وقد قال تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها } وهذا لا يختص بالفهم من الخطاب , بل عدم الفهم مطلقا من الأدلة العقلية والسمعية , وطرق الاعتبار , ثم المراد من الفهم : الإدراك , لا جودة الذهن من جهة تهيئته لاقتناص ما يرد عليه من المطالب خلافا للآمدي . [ الذهن ] والذهن : عبارة عن قوة النفس المستعدة لاكتسابها الحدود الوسطى والآراء . وقال ابن سراقة : الفهم عبارة عن إتقان الشيء , والثقة به [ ص: 33 ] على الوجه الذي هو به عن نظر , ولذلك يقال : نظرت ففهمت , ولا يقال في صفات الله سبحانه : فهم . يقال : فقه - بالكسر - فهو فاقه إذا فهم , وفقه - بالفتح - فهو فاقه أيضا إذا سبق غيره إلى الفهم , وفقه - بالضم - فهو فقيه إذا صار الفقه له سجية , واستعمل لاسم فاعله فقيه , لأن " فعيلا " قياس في اسم فاعل " فعل " , ووقع في عبارة بعضهم : أنه اختير له " فعيل " , لأن " فعيلا " للمبالغة , فاستعمالها فيمن صار الفقه له سجية أولى . وهذا ليس بصحيح . أعني دعوى أن " فعيلا " هاهنا للمبالغة , لأن الألفاظ المستعملة للمبالغة هي التي كانت على صيغة , فحولت عنها إلى تلك الألفاظ للمبالغة , ولذلك يقع في كلامهم ما حول للمبالغة من " فاعل " , [ إلى ] " مفعال " أو " فعيل " أو " فعول " , أو " فعل " , وأما فقيه فهو قياس , لأن " فعيلا " , مقيس في " فعل " , فهو مستعمل فيما هو قياسه من غير تحويل , نحو " عليم " و " شفيع " , فإن المتكلم يحولهما عن شافع وعالم , لقصد المبالغة , ولا مخلص عن هذا إلا أن يدعى أنه خولف تقديرا بمعنى أن الواضع , حوله عن " فاعل " لقصد المبالغة . فإن قلت : ليس من شرط الفقيه أن يكون له سجية , ولهذا قال الرافعي في الوقف على الفقهاء : إنه يدخل فيه من حصل منه شيئا , وإن قل , وقضية هذا حصوله بمسمى مسألة واحدة . قلت : ليس كذلك لما سأذكره من كلام الشيخ أبي إسحاق , والغزالي , وابن السمعاني , وغيرهم من الأئمة , ولعل مراده من حصل حتى صار له سجية وإن قلت . [ ص: 34 ] الفقه في الاصطلاح ] وأما في اصطلاح الأصوليين : فالعلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية . فالعلم جنس , والمراد به الصناعة , كما تقول : علم النحو أي : صناعته , وحينئذ فيندرج فيه الظن واليقين , وعلى هذا فلا يرد سؤال الفقه من باب الظنون , ومن أورده فهو اختيار منه لاختصاص العلم بالقطعي . وخرج بالأحكام : العلم بالذوات , والصفات , والأفعال . وبالشرعية : العقلية , والمراد بها ما يتوقف معرفتها على الشرع . وبالعملية : عن العلمية , ككون الإجماع وخبر الواحد حجة . قاله الإمام . وقال الأصفهاني : خرج به أصول الفقه , فإنه ليس بعملي , أي : ليس علما بكيفية عمل . قال ابن دقيق العيد : وفيه نظر , لأن الغاية المطلوبة منها العمل , فكيف يخرج بالعملية ؟ وقال الباجي : هو احتراز عن أصول الدين . واعلم أن أصول الدين منه ما ثبت بالعقل وحده كوجود الباري , ومنه [ ص: 35 ] ما ثبت بكل من العقل والسمع كالوحدانية , وهذان خارجان بقوله : الشرعية , ومنه ما لا يثبت إلا بالسمع كمسألة أن الجنة مخلوقة , وأن الصراط حق , وهذا من الفقه لوجوب اعتقاده , وعدل الآمدي , وابن الحاجب عن لفظ " العملية " إلى الفرعية , لأن النية من مسائل الفقه وليست عملا , وليس بجيد , لأنها عمل . والظاهر أن لفظ " العملية " أشمل لدخول وجوب اعتقاد مسائل الديانات التي لا تثبت إلا بالسمع , فإنها من الفقه كما سبق بخلاف الفرعية . وبالمكتسب : علم الله تعالى , وما يلقيه في قلب الأنبياء والملائكة من الأحكام بلا اكتساب . وبالأخير : عن اعتقاد المقلد , فإنه مكتسب من دليل إجمالي : قاله الإمام . وقيل : علم المقلد لم يدخل في الحد بل هو احتراز عن علم الخلاف . وأما عند الفقهاء : فقال القاضي الحسين : الفقه افتتاح علم الحوادث على الإنسان . أو افتتاح شعب أحكام الحوادث على الإنسان حكاه البغوي عنه في تعليقه " . [ ص: 36 ] وقال ابن سراقة : حده في الشرع : عبارة عن اعتقاد علم الفروع في الشرع , ولذلك لا يقال في صفاته سبحانه وتعالى : فقيه . قال : وحقيقة الفقه عندي : الاستنباط . قال الله تعالى : { لعلمه الذين يستنبطونه منهم } . واختيار ابن السمعاني في القواطع " أنه استنباط حكم المشكل من الواضح . قال : وقوله صلى الله عليه وسلم : { رب حامل فقه غير فقيه } أي : غير مستنبط ومعناه : أنه يحمل الرواية من غير أن يكون له استدلال واستنباط فيها . وقال في ديباجة كتابه : وما أشبه الفقيه إلا بغواص في بحر در كلما غاص في بحر فطنته استخرج درا , وغيره مستخرج آجرا . ومن المحاسن قول الإمام أبي حنيفة : الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها . قيل : وأخذه من قوله تعالى : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } . وقال الغزالي في الإحياء " في بيان تبديل أسامي العلوم : إن الناس تصرفوا في اسم الفقه , فخصوه بعلم الفتاوى والوقوف على وقائعها , وإنما هو في العصر الأول اسم لمعرفة دقائق آفات النفوس , والاطلاع على الآخرة وحقارة الدنيا . قال تعالى : { ليتفقهوا في الدين ولينذروا } [ ص: 37 ] والإنذار بهذا النوع من العلم دون تفاريع السلم والإجارة . وعن أبي الدرداء . لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله , ثم يقبل على نفسه فيكون لها أشد مقتا . وسأل فرقد السنجي الحسن عن شيء : فقال : إن الفقهاء يخالفونك , فقال الحسن : ثكلتك أمك وهل رأيت فقيها بعينك ؟ إنما الفقيه هو الزاهد في الدنيا . الراغب في الآخرة . البصير بذنبه . المداوم على عبادة ربه . الورع الكاف . ولذلك قال الحليمي في " المنهاج " : إن تخصيص اسم الفقه بهذا الاصطلاح حادث . قال : والحق أن اسم الفقه يعم جميع الشريعة التي من [ ص: 38 ] جملتها ما يتوصل به إلى معرفة الله , ووحدانيته , وتقديسه , وسائر صفاته , وإلى معرفة أنبيائه , ورسله عليهم السلام , ومنها علم الأحوال , والأخلاق , والآداب , والقيام بحق العبودية وغير ذلك . قلت : ولهذا صنف أبو حنيفة كتابا في أصول الدين وسماه " الفقه الأكبر " .
أم عبد البر- عدد الرسائل : 25
العمر : 94
العمل/الترفيه : العمل
تاريخ التسجيل : 21/10/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى